کد مطلب:163866 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:289

ثورة الامام الحسین دروس وعبر
انها «كل یوم عاشوراء وكل أرض كربلاء».

ها كلمة تعبّر عن حقیقة تاریخیة هامة لا مجال فیها للشك والارتیاب، كما انها قابلة للتكرار دوماً فی كل واقع وزمان.. وهذا ما أثبته لنا التاریخ.

فلقد تحولت ملحمة كربلاء الی مسیرة ثوریة امتدت مع الزمن، كما أمتدت الی آفاق بعیدة، وذلك لان لكل شعب أو أمة رموزاً فی مختلف مرافق حیاتها.. وكل رمز من هذه الرموز یقوم بوظیفة تجمیع وتركیز التجربة فی المرفق الخاص به. وملحمة كربلاء تحولت الی رمز للثورة الأصیلة التی جمعت فی واقعها كل شروط وعوامل وخصائص الثورة الاسلامیة، بل لقد استوعبت هذه التجربة كل دروس الرسالة السماویة عبر التاریخ، حتی فی غیر مجال الثورة فیما یتعلق بسائر مجالات الحیاة، والسبب فی ذلك بسیط و واضح جداً، وهو أن قلم الصراع هو أفضل قلم یكتب بحبر الدم علی لوح الزمن ما لا یمكن للمتغیرات أو تصفیها أو أن تنال منها شیئاً.

وحینما یترسخ مبدأ وتتكرس عقیدة تتجذر قیمه بدماء الشهداء فی أوج المعركة بین الجاهلیة و الاسلام، فلابد أن یبقی ذلك المبدأ وتبقی تلك العقیدة راسخة شامخة دائماً.

و كربلاء لیست مدرسة للبطولة الثوریة فقط، وانما هی أیضاً مدرسة لبطولة الانسان حینما یخرج من ذاته، من شح نفسه من حدوده الضیقة لیملأ الدنیا شجاعة وبطولة.. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب و التضحیة، مدرسة العلم والتقوی، بالإضافة الی أنها مدرسة الجهاد والاستشهاد.

وبالتالی فان كربلاء رمز لكل ملحمة.. و بذلك أصبحت مسیرة. إذ أننا حینما نجدد ذكری الامام الحسین (ع) وأهل بیته وأصحابه المستشهدین فی أرض كربلاء فی سنة (61) من الهجرة، فاننا نتذكر ایضاً ملحمة مسلم بن عقیل فی الكوفة، وملحمة الحسین الشهید، صاحب فخ بین مكة والمدینة، وجهاد الابطال من أبناء الامام الحسین، وأبناء زید بن علی بن الحسین، وبالتالی فاننا نتذكر مكابدة كل الثائرین عبر تاریخنا الملیء بدم الثوار، و المضوّع بأجساد شهدائنا الطاهرة.

من هنا أصبحت [كل أرض كربلاء] و [كل یوم عاشوراء]، لان كلیهما قد استوعب تجربتنا. وتعظیمنا نحن الامة الاسلامیة الثوریة وتقدیرنا وتكرینما لهذه الملحمة، انما هو تكریم لكل ثورة رسالیة أصیلة، ولكل دم زكی طاهر أریق فی أیة ثورة.

ولذلك وفی بدایة هذه السنة الهجریة الثامنة بعد الاربعمائة والالف نعزی أمتنا الاسلامیة تعزیة تحمل فی طیاتها البشارة بالنصر، فبكاونا لیس وسیلة للعجز. وحزننا لیس یأساً وأداء للانطواء إنما هو أمل یفتح لنا الطریق واسعاً، ویسد أمامنا أبواب الخزی والتخاذل والغرور والخداع الذاتی. وتجدیدنا لذكری الشهداء لیس طریقاً للتعویض بهم عن شهادتنا و عن تضحیاتنا.. ان بكاءنا تندید بالظلم، وعویلنا وصراخنا انما هو صراخ الضمیر الحر و الحی النابض فی وجدان أمنتا، وصراخ النفس الابیة ضد العبودیة والطغیان. وبالتالی هو وسیلتنا للتعبیر عن سخطنا وأعتراضنا المغلف بالحزن و الاسی علی الفساد المنتشر فی أنحاء الارض.. وتكریمنا للشهداء معراجنا الی ذلك المستوی الاسمی الذی بلغه هؤلاء الابرار.

انهم مدرّسونا، فنتعلم منهم كیف ننتصر علی ذواتنا، و نصل الی مستوی آبائنا وأسلافنا الذین ذهبوا شهداء فی طریق الحق.

وهنا ألخّص بعض العبر والدروس التی نستوحیها من هذه الذكری العظیمة.. ذكری عاشوراء الدم والتضحیة:

أولاً: خط الثورة والنظام المضاد:

خط الثورة كان أبداً قاطرة التقدم للامم، وطریقاً لتبدید سبات الانسان، وخروجاً عن الجمود، وانطلاقاً نحو بناء المستقبل، بینما كان خط الانظمة الفاسدة خطاً مضاداً لهذه الحركة التقدمیة عبر التاریخ، ومن هنا فإن هناك ثقافتین تتراوحان فی الحركة الاجتماعیة..

ثقافة الانظمة التی تتمحور حول شرعیة المؤسسات الجامدة الرجعیة القائمة، وثقافة الشعوب.. ثقافة الثورة التی تعطی الشرعیة لبناء المستقبل. وعاشوراء فی تاریخنا الاسلامی تؤكد شرعیة الثورة، وتعطینا بدایة للعمل الثوری كون الحق لا یبتدأ مرحلته بالاستسلام والسكوت، والذل والخنوع، وانما یبدأ بالرفض.. كلمة التوحید تبدأ بحرف [لا]

ونقول:

«لا إله إلا الله».

هذه العبارة التی تجسد تكریساً للرسالات السماویة، فكل الانبیاء علیهم صلوات الله قد جاءوا لكی یكرسوا خط الحنفیة البیضاء. أی: الرفض لكل ما هو شرك وفساد وانحراف، وخط الرفض هذا الذی انبعث فی الامة الاسلامیة كان موجهاً ضد الخارج، أی ضد من سموا بالكفار والمشركین والجاهلین، لان حركة الفتح الاسلامی المتصاعدة منذ بدایة الهجرة تقریباً و حتی سنة (61) والتی كانت كأمواج البحر تتوسع فی سرعة هائلة، وجهت رفض الامة وتمرد الجماهیر وثورة الشعب ضد الاجنبی، ولذلك كانت كل البطولات التی سجلت فی تاریخنا الاسلامی قبل ملحمة كربلاء موجهة لاعداء الامة الخارجیین، ولیس ضد الانحراف الداخلی الذی كان ینخر فی أعماق الامة الاسلامیة، وفی نفس الوقت كانت النفوس الابیة والروح المتعطشة للشهادة و القلوب الملتهبة ایماناً وحماساً من أجل الدین، كانت تترك داخل البلاد و تتوجه الی الفتوحات الاسلامیة خارج البلاد حتی أصبح المثل الاعلی للشهید هو أن یقتل فی حدود الامة الاسلامیة، أما داخل الدولة فكانت عربدات معاویة ومفاسد یزید، وجرائم زیاد وابن زیاد، وتحریفات سمرة بن جندب، و من أشبه هی الرائحة، و بلغ الانحراف الذروة داخل كیان الأمة الاسلامیة العملاق و العظیم حتی یكاد یسقط بسبب تلك الارضة التی كانت تنخر فی العصی التی تعتمد و تتكیء علیها لولا ملحمة الامام الحسین و شرعیة الثورة.

بلی لولا أبوا الشهداء الامام الحسین بن علی الذی بعث من وادی كربلاء صرخة دوت عبر التاریخ الاسلامی، وصنعت بطولة من نوع جدید جسدت فلسفة الشهادة و روح الرسالة وحماس التضحیة من أجل الله فی الثورة التحرریة داخل الامة الاسلامیة فی مقاومة الانحراف الداخلی. وبالتالی حافظت علی عمق هذه الشجرة. لذلك لو قیل أن شجرة الاسلام قد سقیت بدم الشهید وأبی الشهداء الامام الحسین بن علی (ع)، فان ذلك لیس جزافاً، فلولا هذا الدم لما قام للاسلام عود،و بید ان الشجرة قد نمت بدماء الشهداء الاولین كجعفر بن أبی طالب وحمزة سید الشهداء فی عصرهم، إلا ان أرضة الفساد فی هذه الامة كاد یؤدی بهذه الشجرة الی السقوط، فجاء دم الامام الحسین لیصحح هذا الخلل.